site meter

search

Google

result

Wednesday, July 23, 2008

المثقفون والسلطة في الغرب

زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني

1
هناك علاقة صحية بين المثقفين والسلطة في العالم الغربي حيث لا تنظر السلطات إليهم نظرة شك وريبة وخوف بل إنها تستفيد منهم ومن مواهبهم وأفكارهم في الأمور التي تعرض عليها مما أعطى المفكرين الفرصة ليتأملوا فيما يعرض عليهم بعيدا عن الضغوط والتهم وصاروا عنصرا مهما في إنارة الطريق واستكشاف شتى الحلول من خلال النظر إلى الأمور في مداها البعيد .ويرى الأستاذ الكبير أحمد بهاء الدين - الذي كان مهتما كثيرا بالمجتمع المدني وبشرعية السلطة في الوطن العربي وبعلاقة المثقفين بالسلطة - أن مهمة القيادات أو الحكم كانت قديما أبسط مما هي عليه الآن بكثير حيث كانت الدول قليلة ومعزولة نسبيا وكانت الأمور التي تتدخل فيها الدولة قليلة قد لا تتعدى الدفاع عن البلد وصيانة الأمن وكفالة القانون فيه ولكن مع التقدم الهائل والسريع في مجالات الحياة كافة صارت الأمور المطروحة على الحاكم كثيرة ومتشعبة ومعقدة إلى آخر الحدود .وعلى ضوء ذلك صار مستحيلا على السلطة السياسية في أي بلد من البلدان مهما كان نظام الحكم فيه أن تتخذ القرارات السليمة في كل المجالات بسبب تشعبها وتعقدها وحاجتها إلى تخصصات كثيرة وخلفيات متنوعة ، ومن هناك جاء الاهتمام الغربي برأي المفكرين والمثقفين والكتاب مما أعطى الحكومات الغربية السبق في الوصول إلى النتائج المرجوة في المجالات كافة
2
منذ سنوات أثيرت قضية في بريطانيا حول علاقة الفكر والخبرة بالسياسة عندما أثار نواب وكتاب بريطانيون قضية تضاؤل دور البرلمان البريطاني لأن كثيرا من الأمور العامة التي تعرض عليه معقدة لدرجة لا يستطيع النائب أن يحيط بها كلها تماما ، في حين أن الوزير – ممثل السلطة التنفيذية – يجيء لمناقشة الموضوع المطروح مزودا بآراء عشرات الخبراء وأحيانا مصحوبا بهم ، الأمر الذي يجعل الغلبة في الإقناع غالبا للسلطة التنفيذية فلم يعد للبرلمان ما يحكم فيه إلا العموميات فقط .كما أن قضية أخرى أثيرت في بريطانيا أيضا خلاصتها أن رئيس الوزراء صار يحيط نفسه بخبراء من أعلى المستويات من الجامعات أو من الحياة العامة كالكتاب والصحافيين ومؤلفي الكتب وذوي الأفكار المتميزة ، مما جعل مجلس الوزراء البريطاني يفقد الكثير من سلطته لرئيس الوزراء المزود بهؤلاء الخبراء رغم أنه ليست لهم صفة تمثيلية سياسية أي أنهم ليسوا منتخبين .ومن هاتين القضيتين المثارتين في بريطانيا منذ سنوات نستطيع أن نقارن كيف أن المثقفين والمفكرين والكتاب في الوطن العربي مهملون وكيف تتم الاستفادة منهم ومن خبراتهم وآرائهم في دولة لها تقاليد عريقة في الديمقراطية البرلمانية كبريطانيا ، لدرجة أن البعض أصبح يتذمر من سيطرة هؤلاء على قرارات الهيئة التنفيذية وهي الحكومة
3
لقد قال لي الكثيرون ممن تكرموا وقرأوا ما أكتبه في جريدة (الشبيبة) إن القاسم المشترك في مقالاتي هو الوقوف ضد أمريكا فقط وكأن ليس لها إيجابيات وقد سبق لي وأن رفضت ذلك في مقال بعنوان لماذا نكتب ؟ أما ونحن نتناول العلاقة بين المثقفين والسلطة في الغرب فلا يمكن أبدا أن نتجاهل العلاقة الصحية الجيدة بين الطرفين في أمريكا إذ أنها تعتبر السباقة في الاستفادة من العناصر المفكرة فيها .فبالنسبة للكونجرس الأمريكي ونظرا لإمكانيات أمريكا المالية الواسعة نجد أن النظام هناك يعطي كل عضو في الكونجرس ميزانية سنوية ضخمة يكوّن من خلالها جهازا فنيا مساعدا له وهو في الغالب من الخبراء الشبان الطموحين المهتمين بالقضايا العامة لبلادهم ، حيث يعدون له الدراسات والمواقف المختلفة في كل القضايا المطروحة للنقاش في الكونجرس بحيث يكون السيناتور مزودا بالعلم والمعرفة والثقافة في كل ما يطرح للنقاش ، ومن ثم فإن هؤلاء الشباب يبدأون من ذلك المكان حياتهم السياسية وتدريبهم لمراكز أهم في المستقبل حيث أصبح الكثير منهم رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية ، وهنا تكمن قيمة الفكر والثقافة والرأي .وبالنسبة للرئيس الأمريكي نفسه فإنه يعمد إلى الاستعانة بالكثيرين من عالم الفكر بوجه عام وحتى العالم الأكاديمي نفسه وأحيانا يستعين الرئيس الأمريكي بمستشارين لهم آراء تخالف رأيه وتوجهات حزبه كأن يستعين رئيس ديمقراطي بمستشارين جمهوريين والعكس وهذا بالضبط هو المقصود لأنه حين يأتي الحاكم بمستشارين ومفكرين من نفس مدرسته وتفكيره فكأنه يضع حوله مرايا ومناظير لا يرى فيها إلا نفسه ، في حين المفروض أن توجد عناصر أخرى تثير الجدل والنقاش ويجد من خلالها الحاكم فرصة التعرف على شتى الآراء والتيارات .ويرى كثير من الكتاب والمفكرين أن من أسباب مأساة الرئيس ريتشارد نيكسون أنه أحاط نفسه بأشباهه في الفكر والرأي والسلوك في القضايا الداخلية حتى وقع في عزلة تامة عن الرأي العام على حقيقته مما ورطه في قضية (ووترجيت) وكل ذلك باعتماده على مصدر واحد ونوعية واحدة فقط من المستشارين ، حتى صار الانفصام بينه وبين الرأي العام كاملا إلى أن اضطر للاستقالة الشهيرة ، وهنا ربما سأعيد التذكير بالمثل العربي الذي استشهدت به الأسبوع الماضي وهو ( صديقك من صدقك لا من صدّقك ) فقد اعتمد الرئيس نيكسون على من يقول له الكلمة التي يحب سماعها فقط ولم يعتمد على من يقول له الصدق حتى جاء اليوم الذي سجل فيه التاريخ أن ريتشارد نيكسون هو الرئيس الأمريكي الأول والوحيد حتى الآن الذي استقال إثر فضيحة . وهناك شواهد الآن تشير إلى أن الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية جورج بوش قد لجأ إلى نفس أسلوب نيكسون فهو قد أحاط نفسه بمستشارين يعملون تحت ضغط اللوبي الصهيوني الذي أقنعه أنه مرسل من قبل العناية الإلهية لإنقاذ البشرية وجعلوا منه مجرد دمية لتحقيق مآربهم سواء فيما يخدم إسرائيل في المنطقة أو فيما يخدم المصالح الخاصة لأرباب شركات النفط ، والكاتب بول فندلي خير من تناول مسألة ضغط اللوبي الصهيوني على أعضاء الكونجرس من خلال كتابيه المهمين : ( من يجرؤ على الكلام ) و ( لا سكوت بعد الآن ) .لا يمكن أن يرحم التاريخ حاكما غيّب نفسه عن قضايا وطنه باعتماده الكلي على مستشاريه ولا يمكن أن يرحم التاريخ حاكما عمل لصالح إسرائيل وخاض الحروب بالنيابة عنها. واليوم الذي ستظهر فيه الحقيقة للعامة هو يوم قريب ولن يكون هنالك مجال لإخفائها ، ولا يمكن للتاريخ أن يرحم من ترك الاعتماد على المعاهد المستقلة والمنتشرة في أمريكا والتي اعتمد عليها الرؤساء السابقون وهي معاهد كثيرة ومتخصصة واعتمد فقط على مستشارين لهم مصالحهم الخاصة بعيدا عن مصالح الشعب الأمريكي
4
في تاريخ المنطقة هناك بعض المؤسسات اعتمدت على الخبرات المختلفة والمتباينة في توجهاتها وقد حققت نجاحا منقطع النظير منها مثلا جريدة الأهرام المصرية التي ضمت بين جنباتها المفكرين والمثقفين العرب من كل التيارات اليمينية واليسارية والإسلامية والقبطية والعلمية والأدبية والسياسية فكانت فعلا مؤسسة محترمة دوليا ومنها خرج معظم الأدباء والكتاب والمفكرين والمؤلفين ومنها انطلق الدكتور عبد الوهاب المسيري لدراسة الصهيونية بتشجيع من الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي كان رائدا في الاستفادة من كل التيارات المختلفة في مصر.والآن فإن قناة الجزيرة تقوم بالدور نفسه فهي تضم كل التيارات في الوطن العربي من اليمين إلى اليسار ومن الإخوان المسلمين والجهاديين والقوميين والمارونيين والعلمانيين ، وهذا التنوع إضافة إلى مساحة كبيرة من الحرية والمال الذي ينفق ، أعطى كل ذلك النجاح لتلك القناة التي لم ولن يظهر منافس لها أبدا إلا إذا غيرت من سياستها ، وهذا يؤكد أنه لا يجب الخوف من المثقفين ولا المفكرين ومتى ما تمت الاستفادة منهم سيتحقق النجاح
منشورة في جريدة الشبيبة العمانية في 22 مايو 2008م
مقالة سابقة عن المثقفين والسلطة في الوطن العربي في

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة