site meter

search

Google

result

Friday, July 18, 2008

المثقفون والسلطة في الوطن العربي

زاهر بن حارث المحروقي
كاتب عماني
1
إن رحيل الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله أعاد طرح موضوع تردد كثيرا على مدى السنوات الماضية وهو علاقة المثقفين بالسلطة في الوطن العربي بل إن حياة الدكتور عبد الوهاب نفسها تطرح إشكالية هذه العلاقة للنقاش بما اتسمت به من توتر وتجاهل لقامة عملاقة بهذا الوزن في عطائه وصحته ومرضه وحتى في رحيله في مستشفى عام وفي تشييعه لقد كان للدكتور عبد الوهاب المسيري مشروع وهدف عاش لتحقيقهما وهو كشف الصهيونية وقد دفع كل حياته في سبيل مشروعه وظل وسيظل أحد المراجع الرئيسية في الدراسات الصهيونية حيث كتب ( من هو اليهودي ) و ( النازية والصهيونية ونهاية التاريخ ) طبعا وموسوعته الشهيرة ( اليهود واليهودية والصهيونية ) التي قضى ربع قرن من عمره يعدها من ماله ودمه وصحته دون مساعدة من أحد ، وكان يعد لموسوعة جديدة بعنوان ( الصهيونية وإسرائيل ) هذا إضافة إلى العديد من الكتب والدراسات والأبحاث والمقالات التي يمكن الاطلاع عليها على موقعه في الانترنت وقد ارتبط الراحل بالقضية الفلسطينية طوال حياته وعمل للعلم في صمت بعيدا عن الأضواء فظل سنوات طويلة في محرابه حتى أنجز عمله الفكري الموسوعي ذلك عن اليهود واليهودية والصهيونية الذي يعتبر أهم مرجع عن ذلك الموضوع بكل اللغات ومع ذلك لا يمكن حصر أو تقييم المسيري بتلك الموسوعة فقط لأنها جاءت ضمن مشروع وهدف ورؤية وضمن قضية آمن بها وعاش لها وتوفي وهو مخلص لها ، وكل ذلك جعل منه على رأس قائمة المكروهين والمطلوبين في الدوائر الصهيونية وفي سنته الأخيرة من حياته نزل إلى الشارع وشارك الناس همومهم مقاوما الفساد والاستبداد ناشدا الإصلاح والتغيير وتوج عمله بشغله موقع المنسق العام لحركة ( كفاية ) معيدا إلى الأذهان الدور المطلوب من المثقف تجاه قضايا وطنه ومواطنيه وأمته لقد أصيب الدكتور عبد الوهاب المسيري بمرض السرطان منذ عشر سنوات وقد مرت عليه أيام وهو لا يجد ثمن الدواء ومع ذلك لم يمد يده إلى أحد ، وحتى عندما سافر إلى العلاج في أمريكا فإنه سافر على نفقة أحد الأمراء السعوديين جزاه الله خيرا ، أما كيف أنجز موسوعته الشهيرة ؟ فإنه قد أنفق على ذلك من بيع شققه ، ومن حسن الحظ أو من سوئه أنه عندما انتهى منها فإنه كان قد باع كل ما يملك ، وقد كان في نفسه غصة أن لا المجامع العربية ولا المؤسسات العربية العامة والخاصة ولا الجامعات اقتنت تلك الموسوعة إلا بشق الأنفس وبعد فترة من صدورها ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح لماذا يتعامل الوطن العربي مع أصحاب الفكر أو المثقفين بهذه الطريقة وبهذا التجاهل ولماذا لا تكون العلاقة بينهما صحية ؟ وهل للدكتور عبد الوهاب المسيري ذنب إذا أبدى وجهة نظره أو عمل على تبني مشروع عربي قومي إسلامي وطني ضد الصهيونية ؟
2
يحكم العلاقة بين المثقفين والسلطة في الوطن العربي شك وتوتر وعدم الثقة وأحيانا تصل العلاقة إلى التناقض والعداء كما رأى ذلك الأستاذ أحمد بهاء الدين في إحدى مقالاته القيمة عن هذه العلاقة ، وهذا يجعل الفجوة تكبر بين الحكومات العربية وبين المثقفين وأصحاب الرأي والفكر مما يؤدي إلى خسارة كبيرة للجانبين معا ، للحكومات بخسارتها لآراء المثقفين والمفكرين وأصحاب الرأي ، وللمثقفين والمفكرين أيضا بانطوائهم وعدم والمشاركة في إبداء الرأي في أمور تخص الوطن والمواطنين وفي حقيقة الأمر لا يوجد ما يخيف إذا أبدى المفكرون أو المثقفون آراءهم صراحة لأن ما يشغل بالهم غالبا ما يكون هو ما يشغل بال عامة الناس من الهموم والأوجاع والآلام والطموحات والأحلام فلا داعي للنظر إلى الثقافة أو المثقفين بعين التوجس والحذر والتوهم بأن المثقفين يثيرون البلبلة والإزعاج ويفتحون الأعين على ما لا ينبغي الوعي به أو الاقتراب منه وقد قالت العرب قديما ( صديقك من صدقك لا من صدّقك ) بمعنى أن من يصدقك القول خير ممن يقول لك إنك على صواب حتى لو كنت على خطأ فهذا ضرره عليك أكبر من ضرر من يقول لك الصدق ، وقد رأينا من يتهم المثقفين في ولائهم وفي وطنيتهم ورأينا من تم التحقيق معه ومن تم الزج به في السجون لأنه قال كلمة آمن أنها حق وأنها تخدم وطنه ورأينا من يتم تجاهله في عطائه ومرضه كما حصل للدكتور الراحل ، والنماذج كثيرة في الوطن العربي لا تعد ولا تحصى يجب عدم الخوف من الرأي أو من صاحب الرأي ولنا مثل في قناة الجزيرة التي أتت قبل أكثر من عشر سنوات وأعطت الفرصة للمواطن العربي أن يقول ويستمع إلى الرأي والرأي المخالف هل أدى ذلك إلى الإطاحة بالأنظمة العربية ؟ومع ثورة المعلومات ألم نسأل لماذا اتجه المفكرون والمثقفون وعامة الناس إلى الأنترنت وأصبح الكل يبدي رأيه ويكتب ما يشاء ؟ لقد اتجه الناس إلى الأنترنت لأنه مجال مفتوح للكل ويستطيع أي صاحب رأي وفكر حتى لو كان فكرا منحرفا أن يقوله ببساطة ويتفاعل الناس مع ما يقول في ظل غياب وسائل إعلام تعطي هذه الفرصة لهم ، والتشبيه في ذلك كالذي أراد أن يدخل بيتا فوجده مغلقا فاضطر للدخول من النافذة ومع مرور الأيام استغنى الناس عن الباب بالنافذة ، والمدهش أن الحكومات العربية سارعت في سن قوانين تجرم التعامل مع وسائل الاتصال الحديث دون أن تناقش القضية الأساسية وهي ما هي الأسباب التي دعت الملايين يتفاعلون مع المدونات ومنتديات الحوار على حساب الإعلام الرسمي المسموع والمقروء والمشاهد ! إن رأي أحمد الفلاحي في كتابه ( حول الثقافة ) رأي صائب عندما قال ( إن على المثقف أن لا يطأطيء رأسه وأن يواجه التيار وأن يكون طليعيا متقدما في فكره وفي طرحه للأمور ومناقشته للقضايا متسلحا بالجرأة والشجاعة غير مبال بالصخب والصراخ الذي يثور من حوله لأن مهمته هي تجديد العقول وتطوير الأفكار ورسالته هي الارتقاء بالمفاهيم وهي التبشير بالغد الجديد وتجاوز الأمس المنصرم ) وأظن أن هذا ما فعله الراحل عبد الوهاب المسيري رحمه الله ، سواء في القضايا المصيرية أو الداخلية .
3
( هل مات الدكتور عبد الوهاب المسيري مسموما ؟ ) لقد فكرت في البداية أن يكون هذا هو عنوان مقالي وأبحث في هذا الجانب لكني غيرته حتى أبتعد عن مجرد الإثارة ولم أجد أن أحدا من الكتاب تناول هذا الموضوع لذا أطرح السؤال ثانية هل فعلا مات مسموما ؟ لقد كان رحمه الله من المطلوبين إسرائيليا فهل استطاع الموساد أن يصل إليه ويسممه ويسمم دمه الذي أصيب بالسرطان منذ أكثر من عشر سنوات ؟ لقد اعترف إفرايم هالفي المدير السابق للموساد في كتابه ( رجل في الظلال ) أن الجهاز استطاع أن يسمم القيادي البارز في حماس خالد مشغل في العاصمة الأردنية عمان وهو - الجهاز - الذي أعطى مشعل الترياق الذي نظف السم منه وذلك عام 1997 ، كما تم تسميم الرئيس ياسر عرفات رحمه الله بالطريقة نفسها فهل فعلا تم قتل المسيري بطريقة مخفية ؟ وهل من الصدف أن تتزامن بداية مرضه مع فترة تسميم خالد مشعل ؟ العلم عند الله .
4
إن الحديث عن الدكتور عبد الوهاب المسيري يجرني إلى الحديث عن مفكر آخر ملأ الدنيا بعلمه وفكره وكتاباته وفجأة اختفى ولم يعد يسأل عنه أحد لدرجة أن الكثيرين يظنون أنه قد توفي ألا وهو الدكتور مصطفى محمود لقد أدارت وسائل الإعلام العربية عامة والمصرية خاصة ظهرها للدكتور مصطفى محمود الذي كان يحتل مكانة كبيرة في وسائل الإعلام هذه طوال عشرات السنين من خلال كتبه ومقالاته الكثيرة وبرنامجه الذائع الصيت ( العلم والإيمان ) وذلك بعد صدور آخر كتبه الذي سماه ( إسرائيل النازية ولغة المحرقة ) وقد اشتهر الدكتور بآرائه الجريئة ومواقفه الشجاعة واهتمامه بتجديد الفكر الديني ، وتبقى أهم معاركه في سنواته الأخيرة حول الشفاعة لقد اختفى الدكتور مصطفى محمود فجأة بعد صدور كتابه ذلك وكأن قرارا قد اتخذ في ذلك وعاش سنواته الأخيرة في عزلة ولم تعد وسائل الإعلام تسأل عنه حتى من باب الاطمئنان عليه فهل كتب فعلا على المخلصين من أبناء الوطن العربي أن يدفعوا ثمن رأيهم وجرأتهم ومواقفهم غاليا وهل يمكن أن نرى يوما علاقة صحية بين المثقفين والسلطة في الوطن العربي ؟!
نشرت في جريدة الشبيبة العمانية في 15 يوليو 2008م
مقالة عن المثقفين والسلطة في الغرب في الوصلة

No comments:

Popular Posts

Followers

My Travel Map

تأخير الصلاة